اختيار الدكتور الأنصاري النيداني أفضل شخصية مؤثرة في عام 2025-جريدة الراصد٢٤

 

كتب ضاحى عمار

 دخل ملف مفقودي كارثة درنة مرحلة جديدة منذ مساء الأربعاء بعد أن أعلنت الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين تسجيل 3297 شخصاً في أول إحصائية رسمية، مستعينة بعينات الحمض النووي لتحديد الهويات وإنشاء قاعدة بيانات شاملة للضحايا. الإعلان أنهى حالة من الغموض استمرت لما يقرب من عامين منذ أن اجتاح الإعصار المتوسطي "دانيال" شرق ليبيا في 11 سبتمبر 2023، مدمراً المدينة ومغيراً معالمها.

خطوة نحو الحقيقة

اللواء شبل عبد الجواد، الخبير الأمني، يرى أن هذه الإحصائية ليست مجرد أرقام، بل هي خطوة حاسمة في طريق إغلاق ملف ظل مفتوحاً في قلوب الليبيين، قائلاً: تحديد العدد بدقة يعطي فرصة لمتابعة أعمال البحث، ويوفر أساساً لإجراءات قانونية وإنسانية لاحقة، خاصة في ظل وجود جثث مجهولة الهوية دُفنت عشوائياً في الأيام الأولى

رئيس الهيئة، كمال السيوي، أوضح خلال المؤتمر الصحفي أن فرق العمل جمعت أكثر من 3078 عينة دم مرجعية من أسر الضحايا وأحالتها للمختبرات، التي أنهت بدورها التحاليل وأدرجت النتائج في قاعدة بيانات موحدة. وأشار إلى أن الجهود شملت أيضاً تحليل عينات العظام من الجثث مجهولة الهوية، مع التأكيد على التواصل مع أسر المفقودين في درنة وخارجها.

مأساة بأبعاد كارثية

النائب أحمد البر، المرشح لعضوية مجلس النواب، وصف ما جرى بأنه جرح وطني غائر، مؤكداً أن حجم الكارثة كشف عن ضعف البنية التحتية وغياب التخطيط لمواجهة الكوارث الطبيعية. وأضاف: لا بد أن تكون درنة درساً قاسياً يدفعنا لإعادة النظر في سياساتنا لحماية الأرواح والممتلكات قبل فوات الأوان

الأرقام الصادمة التي وثقتها الهيئة أعادت للأذهان مشاهد الانهيار المأساوي لسدي البلاد وسيدي بومنصور، اللذين كانا يحميان المدينة من فيضانات وادي درنة. انهيارهما أطلق سيولاً عاتية اجتاحت الأحياء، لتقتل وتفقد آلافاً وتدمر أكثر من 890 مبنى بشكل كامل، فيما غمرت الطين والمياه مئات المنازل الأخرى على مساحة 6 كيلومترات مربعة.

إعمار ومحاكمات

وبينما لا تزال عمليات البحث مستمرة، شرعت الحكومة الليبية في مشروعات لإعادة إعمار المدينة. ففي سبتمبر الماضي، وُقعت عقود مع شركة المقاولون العرب المصرية لتنفيذ مشروعات بنية تحتية في درنة. هذه الجهود تأتي بالتوازي مع مسار قضائي حاسم، إذ أصدرت محكمة جنايات درنة أحكاماً بالحبس بين 9 و27 عاماً بحق 12 مسؤولاً بعد إدانتهم بالتقصير المؤدي لانهيار السدين.

اللواء شبل عبد الجواد اعتبر أن هذه المحاكمات تمثل رسالة ردع لأي مسؤول يتهاون في حماية الأرواح، مؤكداً أن المحاسبة الصارمة لا تقل أهمية عن جهود الإعمار والبحث.

دروس للمستقبل

المجتمع الدولي لم يقف متفرجاً، إذ سارعت 12 دولة عربية وأجنبية إلى تقديم مساعدات إنسانية وإغاثية، في مشهد تضامني نادر. لكن النائب أحمد البر يشدد على أن التعاطف الدولي لا يعفي الحكومات من مسؤولياتها الداخلية مضيفاً أن الكارثة سلطت الضوء على ضرورة الاستثمار في مشروعات الحماية من الفيضانات وتحديث أنظمة الإنذار المبكر.

الأمل رغم الألم

إعلان الأرقام الرسمية قد يفتح الباب أمام كثير من العائلات لوضع حد لسنوات من القلق والترقب، لكنه في الوقت نفسه يحيي ذكرى أيام عصيبة شهدت فيها المدينة فقدان ثلث أحيائها ومسح معالم أحياء كاملة من الخريطة.

تبقى درنة اليوم شاهداً على مأساة لم تنته بعد، وجرس إنذار لكل المدن المهددة بالكوارث الطبيعية. وبين جهود البحث والإعمار والمحاسبة، يظل الأمل في أن تتحول هذه المأساة إلى نقطة تحول في إدارة الأزمات في ليبيا، حتى لا يتكرر المشهد المأساوي الذي سيظل محفوراً في ذاكرة أجيال قادمة.