اختيار الدكتور الأنصاري النيداني أفضل شخصية مؤثرة في عام 2025-جريدة الراصد٢٤

  

متابعة الكاتب الصحفي والناقد الفني عمر ماهر 

في انفراد خاص لا يُفوّت، يتحدّث النجم الأردني منذر رياحنه للمرة الأولى عن ملامح شخصيته في العمل الدرامي الجديد "أعوام الظلام"، والذي يُعدّ واحدًا من أكثر المسلسلات العربية المنتظرة في الموسم المقبل، ليس فقط لما يحمله من ثقل إنتاجي ودرامي، بل لما يتكئ عليه من قصة واقعية تُروى لأول مرة على الشاشة، ولأنّ هذا العمل تحديدًا يأتي بعد واحدة من أصدق محطات رياحنه التمثيلية في مسلسل "ماذا لو"، والذي شكّل فيه الدور امتدادًا لجرح شخصي، وأعاد صياغة معنى "التمثيل" كفعل وجداني لا مجرّد حرفة.

رياحنه، الذي جسّد في "ماذا لو" شخصية مريض السرطان المتألم، لم يكن يؤدي مشهدًا تمثيليًا فحسب، بل كان يستحضر لحظة عاشها بحذافيرها، حين رأى والده يقاوم المرض في الحياة الحقيقية. وقال حينها في أحد تصريحاته السابقة: "لم أكن أمثّل، كنت أعيش. كان المشهد ارتجافًا من ذاكرة الجسد." ومن رحم هذا الألم، وصدق التجربة، يعود اليوم بمشروع جديد أشبه ما يكون بندبةٍ لم تندمل، أو بنداء داخلي أراد له أن يُسمع على الملأ: مسلسل "أعوام الظلام".

العمل من إنتاج خليجي ضخم، يجمع بين مصر والكويت في مواقع تصويره، ويتولى إخراجه المخرج المتميّز محمد سلامة، بينما تتولّى الكاتبة الكبيرة مريم نعوم مع ورشة سرد كتابة النص، الذي يتناول قصة إنسانية صادمة وعميقة، مليئة بالتفاصيل التي تتشابك مع الواقع المؤلم للمنطقة، وتُسلّط الضوء على الضياع النفسي والمعنوي الذي يواجه الإنسان العربي عندما يصبح رهينة لظروف تفوق قدرته على الاحتمال.

في كواليس المسلسل.. حديث وجداني لا يُشبه التصريحات

في هذا التصريح الحصري، تحدث منذر رياحنه عن تفاصيل خاصة بالكواليس، وقال بصراحة مؤثرة: "لم أكن في كواليس تصوير، بل كنت وسط عائلة تشبهني. كنت أتنفّس الدور حتى في لحظات الصمت بين المشاهد. كل شخص في هذا الفريق كان قطعة من فسيفساء واحدة، من فريق الإخراج، إلى الإنتاج، إلى الزملاء الممثلين الذين شاركوني الشعور قبل المشهد." وأضاف: "أنا ممتن لهذا العمل، لأنه منحني فرصة لاكتشاف جانب جديد من نفسي، ولمعالجة وجع دفنته لسنوات. الكواليس لم تكن مجرد موقع تصوير... بل كانت مكانًا للعزاء والشفاء معًا."

وأعرب عن سعادته الكبيرة بهذه التجربة، قائلاً: "أشعر أن هذا الدور لم أذهب إليه بنفسي... بل هو الذي جاء إليّ، ووجدني، وسكن قلبي. وكل مشهد أؤديه فيه لم يكن تمرينًا، بل نَفَسًا من ذاكرتي."

رياحنه يكشف: شخصيتي تحمل أبعادًا مفاجئة

وعن ملامح الشخصية التي يجسّدها في "أعوام الظلام"، قال: هي قريبة من شخصية رجلٍ تائه في بداية الأمر، لكنه لا يستسلم. رجل تجرّع الخذلان، وذاق طعم الظلم في أكثر من شكل، لكنه لا ينهار... بل يتحوّل إلى ضوء رغم العتمة. الشخصية شديدة العمق، تحمل تناقضات الإنسان في أقصى حالاته: القوة والهشاشة، اليأس والأمل، الجرح والرغبة في الترميم."

وأضاف: "لن أُفصح كثيرًا عن الأحداث، لكن أعدكم أن الشخصية ستأخذ المشاهد في رحلة داخلية مؤلمة وصادقة، فيها شيء من كل شخص فينا... من جراحنا التي لم تُشفَ، من انتصاراتنا الصغيرة التي لم نحتفل بها، من الذكريات التي دفنّاها لأننا لا نملك رفاهية الحزن."

كوكبة عربية تُضيء شاشة "أعوام الظلام"

المسلسل لا يعتمد فقط على بطلٍ يحمل عمقًا وجدانيًا، بل تحيط به كوكبة من نجوم الدراما العربية الذين يضيفون إلى النص صدقًا وتميّزًا، منهم حمد العماني، خالد البريكي، فيصل العميري، إيمان الحسيني، شوق الهادي، روان العلي، محمد الحداد، عبد الله زيادة، مشاري المجبل، ومن البحرين أحمد سعيد، ومن مصر الفنانة انتصار. وهو ما يجعل العمل ملتقى للثقافات والأنماط الفنية، ويمنحه بُعدًا عربيًا جامعًا قلّما تجلّى بهذه الكثافة في السنوات الأخيرة.

التمثيل كحالة.. لا كمهنة

هذا العمل يُعيد التأكيد على ما أثبته منذر رياحنه في جميع أدواره: أنه ممثل لا يؤدي من الخارج، بل يحيا من الداخل. لا ينقل الجملة كما كُتبت، بل يقطرها شعورًا قبل أن يقولها. من "الاجتياح" إلى "ماذا لو" إلى "سيوف العرب"، حيث جسّد شخصية يوسف بن تاشفين، دائمًا ما يعيد رياحنه تعريف البطولة، لا كقوة عضلية أو خطاب صاخب، بل كأثر باقٍ في الروح. وفي حلقة "سقوط بغداد" من نفس العمل، حين أدّى دور صاحب المكتبة، كان البُعد الرمزي والوجداني لتلك الشخصية أشد من كل السيوف، لأنه مثّل المعركة الأهم: معركة الذاكرة في وجه النسيان.

"أعوام الظلام".. بين السؤال والإجابة

مسلسل "أعوام الظلام" ليس دراما معتادة، بل هو سؤال مفتوح على احتمالات كثيرة:

كيف ننجو من الظلام دون أن نتلوّن به؟

وهل يمكن أن نكون النور حتى وإن أُطفئت شمعتنا؟

منذر رياحنه لا يقدّم الإجابات، بل يقدّم الوجه، النظرة، والانكسار... ويترك لنا نحن أن نفهم، أن نُكمل، وأن نبكي إذا أردنا.

في النهاية…

"أعوام الظلام" ليس عملًا يُشاهد فحسب، بل يُعاش بكل تفاصيله. هو رحلة في القلب العربي المثقل بالوجع، المصرّ على النبض. ومنذر رياحنه ليس مجرّد بطل في هذه الرحلة، بل هو دليلك فيها... إن أردت أن ترى ما لا يُقال، وتسمع ما لا يُسمع.

ابقَ منتظرًا... لأن الظلام هذه المرة، لن يكون نهاية، بل بداية لحقيقة تُروى من الداخل.

ولأن منذر رياحنه، حين يتحدث... فإننا لا نسمع صوت ممثل، بل صدى إنسان.