اختيار الدكتور الأنصاري النيداني أفضل شخصية مؤثرة في عام 2025-جريدة الراصد٢٤

 

هل يكرر عمر ماهر نجاحه في الإعلام داخل عالم المحاماة أم أن الرحلة ستكون أصعب مما ظن؟" (مقابلة حصرية )

هو ليس كاتبًا عاديًا، وليس مجرد اسم يتردّد بين الصفحات وعلى شاشات الهواتف، بل حالة إنسانية وثقافية فريدة، تقف وسط الضجيج صامتة كصوت الحقيقة، وتتجاوز كل تصنيفٍ نمطي ضيق، لأنها ببساطة لم تُخلق لتُصنف، بل لتكسر التصنيفات وتخلق من الحرف سيرة، ومن التواضع سلطة، ومن الصدق شهرة بلا ضجيج... إنّه عمر ماهر، الكاتب الصحفي والناقد الفني الذي لم يركض يومًا وراء "اللايك"، ولم يتسابق نحو "التريند"، بل اختار أن يكون حيث يجب أن يكون: مع الكلمة، مع الإنسان، مع الموهبة، ومع الحق، حتى لو دفع ثمن مواقفه من راحته وهدوئه وأضوائه، فهو من أولئك الذين لم يبحثوا عن الوهج... لأنهم ببساطة هم الوهج.

ولأنه حالة نادرة في الوسط الإعلامي، ظلّ اسمه يرتبط بالرصانة والأناقة الفكرية، وظلّ حضوره يخلق توازنًا وسط بحرٍ من الهراء البصري، ودوامة من الإسفاف المتصاعد. لم يُغيّر بوصلته ليجاري الموجة، بل ظلّ مُتمسّكًا بمنهجه: لا يكتب إلا إذا شعر، ولا يُحاور إلا إذا احترم، ولا يُجامل إلا إذا كان الصدق جزءًا من المجاملة. إنه من أولئك الذين لا يتكررون لأنهم لم يكونوا نسخة من أحد. ورغم نجاحه الإعلامي الباهر، لم يتورّط في وهم "الشهرة"، بل جعل منها طريقًا لاختبار الذات ومقياسًا للمسؤولية.

لم يكن الإعلام بالنسبة لعمر ماهر بابًا للشهرة فقط، بل كان بوابةً لفهم الحياة، وكان الفن عنده أكثر من أداءٍ تمثيلي أو أغنية ناجحة، بل روحًا تُترجم مشاعر الناس، ورسالةً يجب أن تصل بطريقة تحترم المتلقي وتُثمّن المعنى. ولأن عمر لم يسعَ يومًا لتمجيد اللامعنى، فقد كسب احترام الجميع: من النجوم الكبار الذين رأوا فيه مثقفًا نبيلاً لا صحفيًا فضوليًا، ومن المواهب الصاعدة الذين وجدوا فيه سندًا صادقًا لا فرصةً عابرة. كل فنان حاوره خرج من اللقاء يشعر بأنه تحدّث إلى مرآة تعكس إنسانيته لا مظهره، وكل مقال كتبه كان بمثابة رسالة تُشبه نشيدًا داخليًا لا صرخة ترند مزيّفة.

لكنّ اللحظة الأجرأ في حياة عمر ماهر لم تكن في مقال كتبه، ولا في حوار أجراه، بل في قرارٍ حاسمٍ وصادمٍ ومربكٍ للبعض، حين أعلن أنّه يبدأ من جديد، لا كمجرد تطويرٍ مهني، بل كتحوّل جذري في المسار والاتجاه، حيث قرّر أن يخلع عباءة "الناقد الفني" ويرتدي بدلة المحامي، أن يترك بلاط صاحبة الجلالة ويلتحق بساحات العدالة، أن يستبدل الميكروفون بنص القانون، وأن يتعلّم من جديد، ويكافح من جديد، ويُعيد بناء نفسه في مهنة لا تعترف إلا بالاجتهاد والحجة والانضباط. لقد قرّر عمر ماهر أن يبدأ رحلة أخرى، لا تشبه الأولى، لكنها نابعة من نفس القلب الذي لم يتغيّر: قلب يبحث عن المعنى، ويكره الظلم، ويقدّس الصدق.

كان بإمكانه أن يكتفي بما وصل إليه، أن يستثمر اسمه الإعلامي، أن يستمر في الكتابة داخل منطقة الراحة التي صنعها بيده، لكنه رفض... لأن من يُجيد الحفر في العمق، لا يُغريه سطح الماء. ولأن من اعتاد الوقوف مع الضعفاء، لا يُرضيه إلا أن يُصبح درعًا قانونيًا يحميهم. ولأن من حمل أمانة الكلمة لعقود، لم يكن غريبًا أن يختار أمانة الدفاع أمام القاضي. ليس سعيًا لمجد جديد، بل لتكامل ذاتي يرى أن الحرف والعدل وجهان لعملة واحدة، وأن من يعرف كيف يُنصف الإنسان في مقالة، يستطيع أن يُنصفه في مذكرة دفاع.

ويأتي انضمامه إلى مؤسسة راية القانونية كخطوة محسوبة من رجلٍ لا يتحرّك اعتباطًا. فهذه المؤسسة، بتاريخها وثِقَلها، تُشكّل بيئة مثالية لأي شخص يسعى لأن يكون قانونيًا فاعلًا، لا موظفًا عاديًا. وقد كانت "راية القانونية" دقيقة في اختيارها، لأن عمر ليس مجرد "منضم جديد"، بل إضافةٌ فكرية وإنسانية لا تُقدّر بثمن. وسيكون له، بلا شك، حضورٌ مختلف داخل المؤسسة، لا لأنه قادم من خلفية إعلامية، بل لأنه قادم من مدرسة الالتزام والمبدأ والموهبة الأصيلة.

لكن التحديات لا تغيب، والصعوبات بدأت تتشكّل في الأفق. ففي مهنة كالمحاماة، لا يُسأل المرء عن ماضيه الناجح، بل عن جاهزيته للحاضر، واستعداده للمعارك القادمة. وسيجد عمر أمامه ملفات لا تشبه مقالاته، وسيخوض جلسات لا تشبه لقاءاته، وسينبش في دفاتر النصوص كما كان ينقّب في وجدان الفنانين. لكنّ الرهان الأكبر، ليس على تجربته الجديدة، بل على شخصيته الصلبة التي لم تنكسر يومًا أمام عقبة، ولم تهرب من معركة، ولم تُساوم على ضمير.

فهل سينجح عمر ماهر في المحاماة كما نجح في الإعلام؟ هل ستتحوّل كلماته إلى دفوع، ومواقفه إلى سوابق، وضميره إلى مرجعية قانونية؟ وهل سيتحمّل عنف البدايات وقسوة المجتمع المهني الجديد؟ لا أحد يملك الإجابة الآن، لكنّ كل المؤشرات تقول: نعم. لأن من يعرف عمر ماهر يعرف أن بداخله جندي لا يتراجع، وعاشق لا يخون شغفه، ومحارب لا ينسحب حتى في عزّ التعب. هو ليس نجمًا انتقل من ضوء إلى ظل، بل هو ضوء يختار بنفسه أين يشرق، ومتى ينسحب.

وفي زمنٍ يحترف فيه الجميع "التحوّل" بحثًا عن الأضواء، وحده عمر ماهر يتحوّل هربًا منها، بحثًا عن رسالة أعمق، عن دورٍ أنقى، عن فعلٍ أكثر تأثيرًا. هو الكاتب الذي خذل التريند لأنه أكبر من أن يُختصر في هاشتاغ، واحتضن القانون لأنه يرى في الدفاع عن الناس تكملةً لدفاعه الطويل عن المعنى. وبين القلم والميزان، سيبقى عمر ماهر حالة لا تُكرَّر... رجلًا لا يُغريه التصفيق، بل تُغريه الحقيقة.

عمر ماهر، كيف تصف مشوارك الإعلامي منذ البداية حتى اليوم؟

كنت ماشي على طريق شغفي، وكل محطة فيها كانت درس وتجربة. بدأت كأي شاب عنده حلم، لكني كنت مصمم أسمع الناس وأشوف الفن من زوايا مش تقليدية. اشتغلت على حالي كتير، وكنت دايمًا حابب أوصل صوت الفنان للناس بطريقة فيها احترام وفهم. وده كان سر نجاحي.

 إيه أكتر لحظة حسيت فيها إنك أثّرت فعلًا في المشهد الفني؟

لما فنان كبير قالّي: "انت أول حد فهمني من غير ما أشرح". اللحظة دي كانت بالنسبالي وسام. حسّيت وقتها إن قلمي مش بس أداة نقل، لكنه كمان أداة إنصاف وتقدير حقيقي للفن والفنانين.

 دايمًا معروف إنك مش بتركّز على التريند، ليه؟

لأن التريند دايمًا مؤقت، وأنا مؤمن إن القيمة الحقيقية في الكلمة اللي بتفضل. بحب أدوّر على المعنى، على الموهبة، على الشغل الحقيقي. يمكن عشان كده الناس بتثق في اللي بكتبه.

 هل تعرّضت لضغوط علشان تواكب "التريند"؟

طبعًا، بس عمري ما رضخت. في كتير حاولوا يوجّهوني ناحية اللي "ماشي" دلوقتي، بس كنت دايمًا أرجع وأسأل نفسي: "هتبقى راضي عن نفسك بعد كده؟" والجواب كان بيخليني أكمّل بطريقتي.

 دعمت كتير مواهب شابة.. ليه ده مهم بالنسبة لك؟

لأن كل حد بيبدأ بيبقى محتاج فرصة. وأنا كنت هناك، في نفس البداية، وحسيت قد إيه التشجيع بيصنع فرق. الموهبة محتاجة ضوء، وأنا بحاول أكون الشعلة دي لأي حد عنده حلم حقيقي.

 ننتقل للمرحلة الجديدة.. كيف جاءت فكرة دخولك عالم المحاماة؟

ببساطة، حسيت إن عندي طاقة تانية لازم أوظفها. المحاماة مش بعيدة عن الإعلام، الاتنين فيهم دفاع عن الحق، وفيهم صوت لازم يُسمع. حسّيت إني محتاج أكون أكتر من مجرد راوي.. حبيت أكون مشارك في التغيير بشكل عملي.

 هل كانت الخطوة دي مفاجئة للمحيطين بيك؟

جداً. ناس كتير استغربت، وبعضهم صُدم. بس الحقيقة إني أخدت القرار بعقل وقلب. يمكن مش متوقع مني، بس أنا مؤمن إن الإنسان لازم ما يحطّش نفسه في قالب واحد.

 تعرضت لهجوم بعد إعلانك دخول مجال المحاماة.. شعرت بإيه؟

بصراحة؟ حزنت. لأن الهجوم جه حتى قبل ما أبدأ. بس ما زعلتش من النقد، زعلت من الأحكام المسبقة. لقيت ناس بتسأل: "هو إيه دخله؟"، وأنا كنت بسأل: "ليه لأ؟"

 هل شكّكت في قرارك بسبب الهجوم؟

لا. الهجوم زادني إصرار. لما الناس تستهين بيك، ده مش عيب فيك، ده نقص في رؤيتهم. وأنا دايمًا كنت شايف الخطوة دي أكبر من مجرد انتقال مهني، دي رحلة إثبات.

 إزاي شايف التحديات اللي ممكن تواجهك كمحامي جديد؟

كبيرة. لأن المحاماة بحر عميق، ومش بس قوانين.. ده تفكير، تحليل، حضور، مسؤولية. بس أنا جاهز أتعلم. مش عيب إني أبدأ من جديد، العيب إني أفضل مكاني.

 هل تتمنى تثبت نفسك وتنجح في المجال ده؟

ده أكتر حلم بعيشه دلوقتي. نفسي أكون عند حسن ظن كل اللي صدّقوني. ونفسي، قبل أي حد، أحس إني قدرت أكون مفيد بحق في عالم مختلف تمامًا عن الإعلام.

 شايف نفسك إزاي بعد 5 سنين في المحاماة؟

شايف نفسي واقف بثقة في قاعة المحكمة، بصوت ثابت، بدافع عن مظلوم، وبشتغل بإخلاص. مش لازم أبقى مشهور، بس لازم أبقى صادق.

 هل تشعر أنك بتبدأ من الصفر؟

آه طبعًا. وده شرف. بداية جديدة تعني فرصة جديدة. وكل حاجة فيها تحدي هي بداية حياة مش بس شغل.

 هل تقدر توازن بين الإعلام والمحاماة؟

ده اللي بحاول أدرسه حاليًا. يمكن مش بنفس الكثافة، لكن الإعلام دايمًا جوايا. بس الأولوية دلوقتي إنجح في مجالي الجديد.

 كيف كانت ردود فعل جمهورك بعد إعلانك دخول القانون؟

ناس كتير دعمتني، وشجعتني بشكل فاجأني. حسّيت قد إيه الحب اللي كنت بزرعه رجعلي تاني. في ناس قالتلي: "إنت هتنجح في أي مجال"، والكلام ده كان طاقة عظيمة.

 ما الدور الذي تتمنى أن تلعبه داخل مؤسسة "راية القانونية"؟

نفسي أكون عنصر فعّال، أتعلم، أسمع، أشتغل، وأقدم إضافة حقيقية. مش داخل علشان أكون اسم، داخل علشان أكون قيمة.

 هل تعتقد أن الإعلام ساعدك على فهم القانون بشكل مختلف؟

كتير. لأن الإعلام علّمني أسمع وأفهم وأفكر. القانون مش مجرد نص، ده فهم ومعنى وعدالة، وده قريب من طبيعتي كمحاور وكاتب.

 لو رجع بيك الزمن، هل كنت تاخد نفس القرار؟

أكيد. لأن كل خطوة في حياتي بقت جزء منّي. وقرار المحاماة تحديدًا أنا فخور بيه حتى قبل ما أثبت نفسي فيه.

 ما الرسالة اللي حابب توصلها لكل شاب عنده حلم ومش قادر يبدأ؟

ابدأ. ما تستناش حد يفتحلك الباب. خبط، ولو ما اتفتحش، اكسره. الحلم محتاج شجاعة، ومفيش وقت نضيعه في الخوف.

 كلمة أخيرة لجمهورك؟

بحبكم، وبكبر بيكم. دعواتكم في رحلتي الجديدة، وإن شاء الله أكون محامي شاطر زي ما كنت كاتب صادق.