اختيار الدكتور الأنصاري النيداني أفضل شخصية مؤثرة في عام 2025-جريدة الراصد٢٤

 

متابعة الكاتب الصحفي والناقد الفني عمر ماهر 

في عالم تتغيّر فيه الوجوه، وتتنافس فيه الأضواء على من يَسكن الذاكرة لحظة أو أقل، يظل الفن الحقيقي وحده عصيًّا على النسيان، صامدًا في وجه التحوّلات، نابضًا بحقيقة لا تشيخ. ومن بين أولئك الذين اختاروا البقاء على ضفاف الفن الرفيع، يطلّ علينا من جديد النجم الكبير، والمعلّم المسرحي الفذ، محمد صبحي، بتصريحٍ قديم – جديد، يُعيد إلى الذاكرة علاقة فنية وإنسانية استثنائية جمعته بالنجمة المتألقة سيمون، التي وصفها بكل فخر: "تلميذتي ونجمتي المفضّلة في المسرح بتاعي."

كلمات من ذهب… ومكانة لا يضاهيها وصف

كان التصريح، الذي أطلقه الفنان محمد صبحي قبل ستة أعوام في أحد لقاءاته الصحفية، مجرّد جملة في سياق الحديث، لكنه كان جملة لها وقعها، معناها، وأثرها. قالها بصدقٍ يندر أن نسمعه من فنان بحجمه عن فنانة من الجيل التالي، فقال: "سيمون... تلميذتي، ونجمتي المفضّلة بالمسرح بتاعي."

في هذه الجملة، لم تكن الكلمة مجاملة عابرة، بل إقرارًا بمكانة نادرة، فأن يُطلق صبحي على فنانة لقب "تلميذتي" يعني أنّها دخلت محرابه المسرحي، وتدرّبت تحت نظره، وخاضت معه مغامرات النصّ والوقوف على الخشبة، وفهمت معنى الإيقاع والتنفس والانفعال... أمّا أن يُضيف "نجمتي المفضّلة"، فهنا الحديث يتجاوز الاحتراف، ليصل إلى مزيج من الإعجاب، التقدير، والاعتزاز.

دهشة البداية… من كليب "مش نظرة وابتسامة" إلى خشبة المسرح

ولم تتوقف إشادة صبحي عند حدود التجربة المسرحية فحسب، بل كشف أيضًا عن اللحظة الأولى التي شدّته إلى هذه الفنانة المختلفة، حين قال: "أعجبت بها من أوّل فيديو كليب شفته إلها... مش نظرة وابتسامة... أفكار الكليب كانت مدهشة وغريبة."

هنا، يفتح صبحي نافذة على ذائقته الفنية الرفيعة، فهو لم يُعجب فقط بصوت سيمون أو حضورها، بل بانبهاره بأفكار الفيديو كليب، طريقة تنفيذها، وخروجها عن السائد، وتقديمها لموسيقى بصرية فيها من الحداثة والابتكار ما يكفي ليجعله كفنان رائد في المسرح العربي، يلتفت إليها، يُشيد بها، ويحتفظ بها في ذاكرته لسنوات.

الاختيار الذي أثار دهشة الجميع... وصبحي يرد بثقة العباقرة

ما يدعو للوقوف عنده، أن صبحي لم يكن وحده من لاحظ فرادة سيمون، بل كان أيضًا أوّل من غامر وقرّر أن يمنحها فرصة الوقوف إلى جانبه على خشبة المسرح، في تجربة بدت لكثيرين في حينها "غير متوقّعة". ومع ذلك، فقد أكّد صبحي في تصريحه قائلاً: "الكل انبهر باختياري إلها."

نعم، لقد اندهش الوسط المسرحي، والجمهور، والنقّاد من هذا الدمج بين اسم مسرحي ثقيل وصاحبة تجربة غنائية شبابية عصرية، لكن محمد صبحي، كعادته، رأى ما لم يره الآخرون، قرأ الموهبة في ملامحها، التقط الذكاء في تعبيراتها، واستشفّ قدرتها على التطوّر والنضج، وكان رهانه في محلّه.

سيمون… تلميذة المسرح التي صعدت إلى النور بثقة واقتدار

ليست كل فنانة تُدعى "تلميذة" في مدرسة محمد صبحي. فالأمر لا يتعلّق بحضور عابر أو تجربة واحدة، بل بمسيرة تأسيسية تُصقل فيها الموهبة وتُنحت التفاصيل بشغف مسرحي عتيق. وقد استطاعت سيمون أن تدخل إلى هذه المدرسة، لا كضيف شرف، بل كواحدة من أبرز الخريجين الذين يُعوَّل عليهم في المشهد الفني.

لقد ظهرت في أدوارها المسرحية بخفّة راقية، بأداء واعٍ، بإحساس يتجاوز السطح ليغوص في أعماق المعنى، كل ذلك من دون أن تفقد هويّتها الموسيقية، بل صنعت توليفة نادرة بين الغناء والتمثيل والحضور الجاذب.

الحنين إلى الجمال… كيف عاد تصريح قديم ليتصدر التريند؟

ربما يُثير الفضول سؤال: لماذا عاد هذا التصريح بالذات، بعد ست سنوات، إلى الواجهة، وتصدّر التريند على مواقع التواصل؟

الجواب بسيط ومعقّد في آن: لأن الناس تشتاق إلى الصدق، إلى الاعتراف النظيف بالموهبة، إلى اللحظات التي يمتدّ فيها الجَمال من فنان إلى فنان، دون منافسة، أو حسابات.

تصريح محمد صبحي لم يكن سوى لحظة صفاء فني صادقة، وقد قرأها الجمهور بعد سنوات على ضوء مسيرة سيمون الهادئة، المحترمة، البعيدة عن الصخب، القريبة من القلوب. فجاءت كلماته لتُعيد تسليط الضوء على مسيرة لم تأخذ ما يكفي من الاحتفاء، وتاريخ لا يزال ينبض بالتفاصيل الراقية.

رسالة خفية… الفن الحقيقي لا يُقاس بعدد الصيحات، بل ببصماته الخالدة

حين يقول محمد صبحي عن فنانة أنها "نجمته المفضّلة"، فهذه ليست شهادة عادية. هي وسام من نحات الكلمة والموقف والرسالة. وعندما تُثبت

 السنوات أن اختياره كان صائبًا، يصبح الأمر درسًا: أن الفنّان الحقيقي يرى النور في الآخرين قبل أن يراه الجميع.

وسيمون، التي كسبت محبة الجمهور بصوتها ووجهها، أكدت أنها قادرة أيضًا على الوقوف بثبات وسط العمالقة، وتحقيق المعادلة الصعبة: أن تكون خفيفة الدم، وعميقة في آنٍ معًا، أن تحب المسرح وتُجيده، أن تظل فريدة دون ضجيج.

وبين "كارمن" يلي كانت التجربة الأولى لسيمون على خشبة المسرح بإدارة محمد صبحي، و"لعبة الست" يلي ختمت مرحلة ذهبية من التعاون، وُلدت بيناتهم علاقة فنية مبنية على الثقة، على احترام موهبة سيمون وعلى دهشة محمد صبحي من طاقتها التمثيلية يلي كانت دايمًا بتفاجئه.

فـ سيمون، يلي جايّة من خلفية غنائية وفنية مختلفة، أثبتت إنّها ممثلة مسرح ما بتخاف من التحديات، وبتعرف تمسك الخشبة، وبتعرف تكون امرأة درامية، كوميدية، غنائية، بنفس المشهد.

هيك كان مشهد "كارمن" مثلًا، يلي تَغنّت فيه بالحرية، وصرخت من وجع القهر، ووقفت قدام صبحي ندّ بندّ، مش بس كممثلة، بل كشخصية رمزية بتجسد صرخة شعب.

أما بـ "سكة السلامة"، فكانت سيمون عم تلعب دور بتجسّد فيه التحولات النفسية للإنسان وقت بيفقد البوصلة... المسرحية، رغم إنها بتتمحور حول ضياع في الصحراء، إلا إنّها بالحقيقة كانت عن ضياع القيم، وسيمون كانت عم تسلّط الضوء على ضعف الإنسان قدام غرائزه، وأملو بقشة إنقاذ حتى لو كانت سراب.

ومع "لعبة الست"، رجعنا نشوف سيمون بشخصية مركّبة، فيها البنت الطموحة، الحبيبة، المتمردة، والجشعة بنفس الوقت. هي لعبة الست، لعبة شهرة ومصالح، لعبة المجتمع وقت بيروّج لفكرة إنو الشهرة أهم من الوفا، وإنو التمثيل ممكن يكون بوابة للهروب من الفقر ولو على حساب القلب.

وسيمون لعبت الدور بحساسية عالية جدًا، وقدرت توصل تحوّل الشخصية من بنت بتحب بصدق، لامرأة بتختار المجد على حساب الحب، وكأنها كانت عم تحاكي كتار من النساء العربيات يلي مرقوا بهيك صراع.

وهون، ما فينا إلا ننوّه بقديش كان محمد صبحي ذكي باختياراته، وبكيف عرف يسلّط الضوء على سيمون بعيون جديدة، مختلفة تمامًا عن صورتها كنجمة أغنية "مش نظرة وابتسامة" أو "الناس".

لقاء الفن والرسالة

شو بيجمع سيمون بمحمد صبحي؟ مش بس الخشبة. بيجمعهم إيمان مشترك إنو المسرح مش بس تسلية، بل أداة لتغيير العقول.

كل عمل اجتمعوا فيه كان مشروع توعية، فيه طرح، فيه رسالة. مش مسرحية بتخلص بس ينزل الستار، بل مسرحية بتعيش براس الناس بعد ما يرجعوا على بيوتهم.

وإذا كانت سيمون حطّت بصمة بعالم الغناء، فـ محمد صبحي أعطاها المفاتيح لتحط بصمة أعمق بعالم الفكر والدراما.

أصداء الجمهور

الجمهور المصري والعربي استقبل هالأعمال الثلاثة بكثير من الحب، ويمكن اليوم، وبعد مرور سنين طويلة، بعده بيتذكر مشاهد سيمون على المسرح كأنها مبارح.

ومش بس من باب النوستالجيا، بل لأن أداءها كان صادق، وكان بيحمل وجع الناس الحقيقي، وكانت عم تنطق بلسانهم، حتى لو القصة كانت كلاسيكية أو متخيّلة.

ماذا لو اجتمعوا مجددًا؟

السؤال الكبير بيبقى: لو اجتمع سيمون ومحمد صبحي اليوم، شو ممكن يقدّموا؟

هل رح يرجعوا لمسرح سياسي اجتماعي بيطرح وجع المواطن؟

أو بيغوصوا بمسرح وجودي بيفتش عن الإنسان؟

الجواب الوحيد الواضح هو إنو اللقاء بينهم مستحيل يمرّ مرور الكرام، لأنو التناغم يلي اجتمع بمسرحية مثل "لعبة الست"، ما بينولد كل يوم، ولا كل سنة، ويمكن مش كل عقد.

ختامًا

سيمون، النجمة المتعددة المواهب، لامست المسرح من خلال أعظم مدارس التمثيل بقيادة صبحي، وتركت بصمة بتتعلّم منها أجيال جديدة من الفنانين.

أما محمد صبحي، فكان وما زال بوابة عبور المواهب الاستثنائية من العادية إلى الخلود.

ومن هونيك، من خشبة "كارمن"، انطلقت سيمون بعين جديدة، وبلون جديد، وبلقب جديد: "ممثلة خشبة مش عابرة، بل ثابتة بوجدان المسرح المصري".