د. داليا صالح تشهد تخريج دفعة جديدة من برنامج "رابحة" لتمكين المرأة بدعم المجلس القومي للمرأة جريده الراصد 24

 الكاتب الصحفي والناقد الفني عمر ماهر 

في خطوة جريئة تُعيد الاعتبار لصفحاتٍ ناصعة من تاريخنا العربي والإسلامي، أعلنت منصة "شاهد" الرائدة في إنتاج وعرض المحتوى العربي، عن إطلاق مسلسلها التاريخي الضخم المنتظر: "سيوف العرب"، الذي يُعرض قريبًا حصريًا على منصتها. ليس مجرد مسلسل تقليدي يحاكي الماضي، بل هو عملٌ فنيٌّ متكامل، يدمج بين الدراما والوثائقي، بين التاريخ والفن، بين الحقيقة والتصوّر، ليولد من رحم تلك الثنائية تجربة بصرية ووجدانية لا تُشبه سواها.

"سيوف العرب": دراما من الفولاذ، تحكي سيرة السيف الذي خطّ التاريخ

منذ الأزل، لم يكن السيف مجرّد أداة قتال، بل كان رمزًا للهوية، وسفيرًا للحضارات، ومرآةً لقيم الفروسية والشجاعة والعزة. "سيوف العرب" لا يكتفي برواية حكاية السيف من منظور السلاح، بل يغوص في عمقه الرمزي والثقافي والاجتماعي، فيتتبّع مراحله منذ الجاهلية، مرورًا بحقب الإسلام المبكرة، وصولًا إلى زمن الخلافة الأموية. المسلسل لا يُعيد فقط رسم الخرائط الجغرافية والسياسية لتلك العصور، بل يرسم أيضًا خريطة روحية وشعورية لأمّةٍ سادَت العالم يومًا، حين كان السيف يُرفع لا من أجل سفك الدم، بل من أجل حماية الحق وإعلاء القيم.

منذر رياحنه: تجسيد فني لأمير المرابطين يوسف بن تاشفين

يلعب النجم الأردني القدير منذر رياحنه دور البطولة بتجسيده شخصية "أمير المرابطين يوسف بن تاشفين"، أحد أعظم القادة في تاريخ المغرب والأندلس، الرجل الذي أعاد صياغة معادلات القوة في زمنٍ كان فيه العرب على مفترق طرق. الأداء المتوقع من رياحنه، المعروف بقدرته على تقمّص الشخصيات التاريخية والبطولية بعمقٍ داخليّ وصدقٍ فنيّ، سيكون بلا شك من أبرز عناصر الجذب في هذا العمل. يوسف بن تاشفين في المسلسل ليس فقط زعيمًا عسكريًا، بل شخصية إنسانية، تُعرض صراعاته الداخلية والخارجية، إخلاصه لقيمه، وحنكته السياسية والعسكرية، في مشهدية درامية شديدة الغنى.

مراكش... المدينة التي احتضنت السيوف والكاميرات

اختار صنّاع المسلسل مدينة مراكش المغربية لتكون المسرح الحقيقي للتصوير، لما تحمله من روحٍ تاريخية، وجمالٍ عمراني، وملامح حضارية لا تزال تحتفظ بأصالتها. مراكش لم تكن مجرد خلفية تصوير، بل كانت بطلة خامسة في العمل، تصرخ بجدرانها وأزقتها وتاريخها، لتمنح كل مشهد نبضًا من الحقيقة، وعمقًا من الانتماء. تفاصيل التصوير الدقيقة، وزوايا الكاميرا التي التقطت الغبار المتصاعد من أقدام الخيول، وضوء الشمس وهو ينعكس على نصل السيوف، كلّها توحي بأننا أمام عملٍ لم يترك شيئًا للصدفة.

تقنيات سينمائية ورؤية إخراجية متطورة: إحياء الماضي بعين المستقبل

"سيوف العرب" لا يتعامل مع التاريخ كحكاية ماضية، بل كحقيقة حيّة، نابضة، تحتاج فقط لمن يوقظها. لذلك، اعتمد المسلسل على تقنيات تصوير سينمائية عالية الدقة، واستُخدمت فيه أدوات الإخراج الحديثة، بما في ذلك المؤثرات البصرية، والطائرات بدون طيّار لتصوير المشاهد الحربية من الأعلى، وموسيقى تصويرية تمزج بين آلات الشرق وروح المعركة. رؤية فنية متكاملة قدّمت لنا التاريخ كما لم نره من قبل، لا من خلال كتب أو شروحات جافة، بل من خلال عيون الجنود، وخيالات القادة، ودموع الأمهات، ونبض الشعوب.

من الوثائقي إلى الدرامي... رحلة بين الواقعية والسرد الفني

اللافت في "سيوف العرب" هو الدمج العبقري بين الشكل الوثائقي والدرامي. فهو لا يعتمد فقط على السرد التاريخي المجرّد، بل يتوسل بالشخصيات ليُعيد بناء الزمن، ويقدّم الحكاية من الداخل. في كل حلقة، ينبض التاريخ بحياة جديدة، حيث يُنقل المشاهد بين وقائع مدعّمة بالأبحاث، ومشاهد درامية تصوّر اللحظة كما لو كانت تُعاش أمامه الآن. هذا التناغم بين الحقيقتين، هو ما يجعل العمل مميزًا، وغير قابل للتقليد أو المقارنة.

"العصر الذهبي" يعود من جديد... بالفن والوعي

ليس الهدف من المسلسل هو التفاخر بالماضي، بل استخلاص الدروس، واستحضار اللحظات التي شهدت بزوغ شمس حضارة، صنعها رجال السيف والفكر. "سيوف العرب" يُعيد تشكيل ملامح ما يُعرف بـ"العصر الذهبي"، ويُبرز القيم التي قامت عليها الدولة العربية – من عدالة، وشجاعة، ووفاء، وكرامة – ليضعها في مواجهة الزمن الراهن، ويدعونا جميعًا لسؤال صعب: ماذا تبقّى من تلك السيوف؟ وأين ذهب ذلك المجد؟

مسلسل "سيوف العرب": ليس فقط دراما، بل دعوة للوعي

في النهاية، نحن لسنا فقط على موعد مع عمل فني جديد، بل أمام مشروعٍ فكريّ، يُحاول أن يعيد تشكيل العلاقة بين الجمهور العربي وتاريخه. هو درس في الفخر، وفي صناعة الهوية، وفي مقاومة النسيان. ففي زمنٍ أصبحت فيه بعض الشاشات مرآةً للسطحية، تقف "شاهد" شامخة، وتقول: نعم، نحن نستطيع أن نروي قصتنا... بأيدينا، وبسيوفنا، وبفنوننا.

ترقّبوا "سيوف العرب"... لأن المجد لا يموت، بل ينتظر من يرويه من جديد.