د. داليا صالح تشهد تخريج دفعة جديدة من برنامج "رابحة" لتمكين المرأة بدعم المجلس القومي للمرأة جريده الراصد 24

متابعة  الكاتب الصحفي والناقد الفني عمر ماهر 

في زمن تتسارع فيه الإيقاعات وتتباهى فيه الأسماء دون جوهر، وسط عالم تتكدس فيه الشعارات الزائفة وتتهاوى فيه القيم الحقيقية تحت وطأة البحث عن التريند اللحظي، يطل تامر حسني كالنور في عتمة، يفرض حضوره بقوة الموهبة، وبعنفوان الشغف، وبثبات من يعرف أن الإبداع ليس ترفًا بل رسالة، وأن الفن ليس زينة للحياة بل أحد أركانها الأساسية، وحين تنطق الأرض كلها باسم فنان واحد، حين تتوقف محركات البحث عن كل شيء لتلهث خلفه، وحين تصبح قصته حدثًا يتجاوز حدود الفن إلى حدود الظاهرة الإنسانية، ندرك حينها أننا لا نتحدث عن مجرد نجم، بل عن أسطورة معاصرة اسمها تامر حسني.

تامر حسني... هذا الاسم الذي بدأ رحلته من شغف شاب لم يكن يحمل في جعبته إلا موهبة جارفة وإيمانًا لا يتزعزع، شق طريقه في دروب قاسية، كتب كلماته، غنى ألحانه، مثّل أحلامه، فصار رمزًا لجيل كامل رأى فيه صورة الحلم المستحيل الذي تحقق، لم يكن تامر ابن المصادفات ولا نتاج الموجات العارضة، بل كان نحتًا متواصلاً في صخر الإصرار، كل خطوة خطاها كانت رسالة أن الفن لا يُمنح، بل يُنتزع، وكل نجاح حققه كان يؤكد أن العظمة الحقيقية تصنعها الموهبة حين تتزوج بالإرادة، تامر لم يرض أن يكون مجرد مغنٍ عابر أو ممثل مؤقت، بل صاغ لنفسه هوية خاصة متكاملة، مزج فيها بين الكلمة واللحن، بين الأداء والصدق، بين الحلم والعمل، حتى صار "ماركة مسجلة" للجودة، ومقياسًا جديدًا لما يعنيه أن تكون نجمًا.

ثم جاء "ريستارت"، ليكون تتويجًا لهذا المسار الأسطوري، لا باعتباره مجرد عمل فني جديد، بل بوصفه قفزة نوعية تعيد تعريف مفهوم الفيلم الكوميدي الاجتماعي. منذ اللحظات الأولى للبرومو الرسمي، أدرك الجميع أن تامر لا يعرض مجرد حكاية، بل يفجر قضية العصر بأسلوب ذكي، لاذع، عميق، غلفه بروح خفيفة الظل قادرة على الوصول إلى قلب كل مشاهد دون أن تستهين بذكائه، حيث يفضح الفيلم عالم البلوجرز والتريندات السطحية، ويكشف الهوس الجنوني بالشهرة الفارغة، مستعرضًا وجوهًا مألوفة لهذا العالم بجرأة من لا يخشى قول الحقيقة، فجاءت المشاهد التي جمعت بينه وبين هنا الزاهد وباسم سمرة نابضة بالحياة، مليئة بمواقف طريفة تخفي تحت ضحكاتها صرخات توعية موجهة لجيل ضائع بين الواقع والوهم.

"ريستارت" ليس فيلمًا يبحث عن إضحاك رخيص، بل رحلة تأملية مبطنة بقفشات ذكية، عبّر من خلالها تامر حسني عن رؤيته لعالم يلهث خلف السراب الرقمي بينما يغفل عن القيم الحقيقية، وفي خضم ذلك، استطاع أن يقدم هنا الزاهد بصورة جديدة ومشرقة، تعكس تطورها كنجمة شابة، وخلق توازنًا لافتًا مع طاقة باسم سمرة المخضرمة، وأتاح لعصام السقا فرصة تألق لا تُنسى بشخصية المهندس البحري الذي يعكس عبثية مهن لم نكن نعلم بوجودها أصلاً، كل ذلك كان يجري تحت عين مخرجة بارعة كسارة وفيق، لكنها عين مغموسة برؤية تامر وأسلوبه الخاص في نسج المشاهد كما ينسج شاعر ماهر قصيدته.

ولم تمر ساعات قليلة على إطلاق البرومو حتى اهتزت الأرض الرقمية: محركات البحث شُلت، وسائل الإعلام العالمية انبهرت، الأحاديث الجانبية في المقاهي والمكاتب والجامعات لم تعد عن السياسة أو الطقس، بل عن "ريستارت" وتامر حسني، الباحثون في كل أنحاء الكوكب نسوا كل ما عدا هذا الاسم، وبدأوا في رحلة بحث محمومة عنه، عن تفاصيل الفيلم، عن قصته، عن بطله الذي حبس أنفاس العالم، حتى بلغت كثافة البحث حدًا جعل جوجل، ولأول مرة منذ تأسيسه، يعترف علنًا بعجزه عن استيعاب حجم الضغط، ويدخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية بفضل رجل واحد، هذا الرجل هو تامر حسني.

وتستعد السجادة الحمراء الآن لحدث يُنتظر أن يكون الأعظم في تاريخ السينما العربية، إذ أن إطلاق "ريستارت" في الخامس والعشرين من مايو المقبل لا يعد عرضًا عاديًا، بل لحظة احتفال بكبرياء الفن الحقيقي، ومشهدًا رمزيًا لثورة يقودها تامر على الرداءة والتكرار والسطحية، الأوسكار يلوّح من بعيد وكأنه يعرف أن تامر حسني، بفطرته الفنية النقية وبذكائه الحاد وبموهبته متعددة الأبعاد، لم يعد نجمًا محليًا أو إقليميًا، بل بات ظاهرة عالمية تستحق أن تُدرس وتُحتفى بها.

وفي الختام، يبقى تامر حسني علامة مضيئة وسط ظلام الزيف، يخطو نحو المستقبل غير عابئ بضجيج اللحظة، بل عازفًا على أوتار الدهشة والإبداع، ويؤكد للعالم بأسره أن من يؤمن بحلمه، من يعمل ليل نهار دون كلل، من يصنع من كل سقطة درسًا، ومن كل تحدٍ فرصة، لا بد أن يصنع مجده بيده، ويطبع اسمه في سجل الخلود، فلتنحني القلوب احترامًا، ولتصفق الأرواح طربًا، لأننا شهود على عصر تامر حسني... الأسطورة التي لم تعرف يوماً المستحيل.