مدير إدارة شباب المنيا يعقد اجتماعًا مع مديري المراكز لمناقشة قانون الرياضة الجديد _ جريدة الراصد24

 

د.محمود محمد المصرى 

"حيث لا قانون، لا عدالة." هكذا لخص الفيلسوف توماس هوبز العلاقة الجوهرية بين القانون والعدالة، وكأن عبارته تُمهد لواقعنا المعاصر حيث يشكل القانون السور الواقي من فوضى المصالح وصراع القوى، ومع تمدد الفضاء الإلكتروني ليصبح ميداناً رحباً بلا حدود، باتت الحاجة إلى تشريعات رقمية في مصر والعالم العربي أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، لضمان الأمن والعدالة في عالم متسارع التحولات.

لقد تجاوز الفضاء الرقمي حدود الرفاهية، وأضحى القلب النابض للاقتصاد، والتعليم، والسياسة، والعلاقات الاجتماعية، إلا أن غياب تشريعات واضحة ومتطورة في الجرائم الإلكترونية وحقوق البيانات يترك فراغاً خطيراً يسمح بالاحتيال وانتهاك الخصوصية، ومن هنا تبرز الضرورة الملحة لإطار قانوني متكامل يواكب التطورات العالمية ويوازن بين الحرية الرقمية وحماية المجتمع.

ومع تسارع الثورة الرقمية، أصبحت التشريعات التقليدية عاجزة عن التعامل مع طبيعة الجرائم الإلكترونية المعقدة، وتشير تقارير الاتحاد الدولي للاتصالات (2022) إلى أن أكثر من 60% من الدول النامية تعاني من قصور تشريعي في مكافحة الجرائم السيبرانية، ما يعكس أهمية دراسة التشريع الإلكتروني وتحدياته، مع إلقاء الضوء على التجربة المصرية ومقارنتها بالمعايير الدولية.

في مصر، اعتمد المشرع قوانين مهمة مثل قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، الذي يتناول قضايا الاختراق والاحتيال وانتهاك سرية البيانات، وقانون حماية البيانات الشخصية رقم 151 لسنة 2020 الذي يقترب في فلسفته من اللائحة الأوروبية العامة لحماية البيانات (GDPR)، غير أن التحدي الأكبر يكمن في آليات التنفيذ، حيث تعاني المؤسسات القضائية والأمنية من نقص الكفاءات المتخصصة لفحص الأدلة الرقمية وملاحقة الجرائم العابرة للحدود.

أما التجارب الدولية فتقدّم نماذج ملهمة؛ فالاتحاد الأوروبي يطبق اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) الأكثر صرامة عالمياً، بينما تتبنى الولايات المتحدة نهجاً قطاعياً عبر قوانين متخصصة مثل حماية خصوصية الأطفال على الإنترنت (COPPA). أما الدول النامية، فكثيراً ما تنقل التشريعات دون تكييفها مع سياقها المحلي، مما يؤدي إلى فجوة واسعة بين النصوص القانونية والواقع العملي، وقد تجلى ذلك بوضوح في قضية الاتحاد الأوروبي ضد شركة ميتا (2023) حين فُرضت غرامة قدرها 1.2 مليار يورو بسبب نقل بيانات المستخدمين خارج الاتحاد الأوروبي.

وتتلخص أبرز التحديات أمام الدول النامية في ضعف البنية التحتية القانونية، وغياب الكفاءات الفنية، وتعارض القوانين المحلية مع الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية بودابست (2001)، إضافة إلى بطء التحديث التشريعي مقارنة بالسرعة الهائلة للتطور التكنولوجي.

ولمواجهة هذه التحديات، تبرز حلول عملية مثل: مواءمة التشريعات مع الاتفاقيات الدولية، أيضًا إدماج التكنولوجيا في العمل القضائي عبر المحاكم الرقمية والأدلة الإلكترونية، كما يمكن إنشاء وحدات متخصصة في النيابة العامة للتحقيق في الجرائم السيبرانية، علاوة على امكانية تعزيز التعاون الإقليمي بين الدول العربية والأفريقية لمواجهة الجرائم العابرة للحدود.

وفي الختام، يتضح أن التشريع الإلكتروني لم يعد ترفاً أو خياراً مؤجلاً، بل ضرورة وجودية لحماية السيادة الرقمية وضمان حقوق المواطنين، وعن مصر، يمكن أن تتحول إلى نموذج إقليمي رائد إذا ما تم تفعيل القوانين القائمة وتطويرها وفق المعايير الدولية، إن العدالة في العصر الرقمي لا تتحقق إلا بقانون قادر على مجابهة تحديات المستقبل.